Tuesday, November 19, 2024

من هو السيد جمال الدين أسد آبادي؟

الثلاثاء, مايو 28, 2024
، مقال الرأي

 

إن السيد جمال الدين كان عالما و مفكرا و مبدعا و كان من أهم أهدافه تثقيف أمراء المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي، لأن عصره تصادف العصر الصناعي الغربي حيث كان الغرب في حالة التطور و التقدم و العالم الإسلامي في ركون و تقهقر، لذلك سفر أسفارا متعددة في الدول الإسلامية و غير الإسلامية.

و من أهم نظرياته و تفكراته هو العود إلى القرآن الكريم و يقصد السيد الجليل من هذه النظرية أي إخراج القرآن من قفصه الفردي و الأخروي حيث سواد الأعظم من المسلمين فهمهم حول القرآن الكريم هو أن القرآن الكريم جاء لتنظيم الحياة الفردية و الأخروية أي كيف نعبد الله؟ و كيف نضمن سعادتنا الأخروية تاركين  البعد الإجتماعي و السياسي و الإداري و الإقتصادي و...... لذلك العود إلى القرآن تهدف تغيير هذا إلتقاط من القرآن و نظر إلى القرآن أنه برنامج متكامل جاء لتنظيم حياة الإنسان في كل أصعدة و في كل أمكنة و في كل أزمنة... بل هو المرجع و المصدر الوحيد لإنشاء الحضارة الإسلامية كما كان في زمن النبي الأكرم (ص) و أيضا هو المعيار الوحيد لرد أو قبول العلوم المعاصرة.

و قد نتجت هذه الحركة نتائجا ملموسا في العالم الإسلامي حيث تغيّر النهج التفسيري من البعد الفردي و الأخروي إلى البعد الإجتماعي و السياسي و... من قِبَل تلاميذه كمحمد عبده الذي كان رئيس جامعة الأزهر الشريف والذي ألف تفسير جزء عم من تفسير المنار و محمد رشيد الرضا الذي كان تلميذا لمحمد عبده والذي أكمل تفسير المنار و تفسير في ظلال القرآن للسيد قطب و كذلك التيار السياسي المسمى بإخوان المسلمين.

و إلكيم خطبة السيد جمال الدين في مصر حول رجوع إلى القرآن:

يذهب السيد إلى مصر ثانية فيتوقف فيها عشر سنين يربّي تلاميذه و يشتغل بالتدريس و البحث و إلقاء الخطب، و من جملتها خطبته المشهورة في مسألة الرجوع إلى القرآن، و هي خطبة غرّاء بالعربية، نوردها فيما يلي:

إلهي! قولك: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ.

و كلامك الحق المحض! و لأنّ دعوتي و استجابة هذه النفوس الزكية كان خالصا مخلصا لوجهك الكريم، فأهدنا بموجب قولك الحق إلي سبيل الهداية و الرشاد.

أيها السادة! إنّ القرآن هو المدينة الفاضلة الإنسانية، و الصراط المستقيم للسعادة البشرية. إنّ جلال الدستور المقدّس الذي يمثّل خلاصة سمّو ورفعة جميع أديان العالم الحقة، و البرهان القاطع للخاتمية المطلقة للدين الإسلامي إلى يوم القيامة، و ضمان سعادة الدارين و فوز النشأتين، آهٍ، آهٍ، صار من فرط الغفلة مهجورا.

و لقد حقرتم جلال و عزّة الدستور المقدّس حين أوصلتم، للعالم القديم و الدنيا الحديثة و إلى هذه المدينة، فقط شرارة طفيفة من قبسات أنوراه المضيئة، آهًا، آهًا، صارت فوائده اليوم تنحصر في الأمور التالية:

التلاوة على القبور ليالي الجمعة، مشغلة للصائمين، متروكات المساجد، كفارة الذنوب، العوبة الكتاتيب، للوقاية من الحسد، اليمين الكاذبة، رأسمال الإِسْتِجْداء، زينة قماط الطفل، قلادة العروس، تميمة عضد الخبّاز أو في عنق الأطفال، حرز حفظ المسافرين، سلاح علاج المصروعين، زينة الإحتفالات و في حجلة العروس، مقدمة نقل أثاث البيت، حرز محل ألعاب القوى، في أمتعة التجارة لروسيا و الهند، رأسمال الكتبيين، رأسمال استجداء المتسولين من النساء و الرجال في المعابر و الطرقات!!!

آهٍ، وا أسفاه! فسورة العصر كانت لوحدها – مع عدم احتوائها على أكثر من ثلاث آيات- أساس نهضة جماعة أصحاب الصُّفة الذين حوّلوا بالفيض المقدس لهذه السورة المختصرة، محلّ أصنام مكة الذي كان مرتعا للشِّرك قبل الهجرة إلى بستان للتوحيد و بيت لله في بطحاء مكة.

آهٍ، وا لهفاه! هذا الكتاب السماوي المقدس، و هذا التصنيف العزيز للحضرة السبحانية، و هذا الأساس لكلّ السعادات الإنسانية، لم يعد يحظى اليوم بالإهتمام إلا أقلّ من (ديوان سعدي) و حافظ (المثنوي) و ابن الفارض!!!

و علي العكس من ذلك، فحين تقرأ إحدى المقطوعات الشريعة في جمع و حفلٍ ما فإنّ الآهات تتصاعد من أعماق القلوب، و العيون الآذان و الأفواه تفتح و تصغى و تفغر لسماعها، و كم هو الأمر معكوس بالنسبة للقرآن و الذي لن يزاحم أبدا في أي مكان ثرثرة أحد، أو عمله أو تفكيره! إي و حقِّك، سبحانك اللهم! أنت القائل و قولك حقُّ: (نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ). سبحانك اللهم و قولك حقُّ (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).

عليكم بذكر الله الأعظم و برهانه الأقوم، فإنه نوره المشرف الذي به يخرج من ظلمات الهواجِسِ و يتخلص من عتَمَةِ الوساوس و هو مصباح النجاةِ، من اِهْتَدَى به نجَى و من تخلَّفَ عنها هلك. و هو صراط الله القويم، من سلكه هُدِي، و من أهمله هَوى.

الحاصل من البحث:

علينا تغيير نمط حياتنا الغربية إلى النهج القرآني و أن ننظر إلى القرآن أنه دستور مقدس جاء لتأسيس الحضارة الإسلامية، و على هذا، فكل تفكراتنا و إنتماءاتنا لابد أن يتبلور في محور القرآن الكريم، و لتحقيق ذلك ينبغي غوص في بحر القرآن و التأمل و التعمق فيه و إستنطاقه و إستخراج أجوبة مناسبة لكل مسألة أو قضية ذات صلة بحياتنا الإجتماعية و السياسية و الإدارية و الإقتصادية و التربية و هلم جرا....

حرر بقلم: السيد الهيبة حيدرا (طالب جامعي في علم القرآن و الإدارة) – 19 \ ذي القعدة \ 1445 هجرية الموافق 18 \ 5\ 2024م