الحلقة الأولى :
بعدما قام الرئيس صال ببسط هيمنته على المحكمة السنغالية، بالتّحكم على كل أجهزتها وآلياتها. والقبض على ناصية فقهاء القانون في المؤسسة القضائية، استغلّ القضاء، لأجل الاطاحة بأبرز المعارضين السياسيين له. ولأجل ضمان البقاء ونجاح هذه الخطّة في استغلال قوّة القضاء، للتضييق على رموز المعارضة، قام الرئيس صال بتعديل القانون الانتخابي في الدستور السنغالي، بزيادة مادة تنصّ على خسارة الحقوق السياسية، لأيّ شخص يتمّ إدانته بالسجن في الغرفة الجنائية، لأكثر من ثلاثة أشهر.
انطلق مشروع ( تغييب المعارضين) من شقيقه السياسي كريم واد، نجل الرئيس السابق، الوالد السياسي للرئيس ماكي صال، فنجح في تلفيق تهم الفساد واختلاس أموال الدولة ضدّه، وانتهى به المطاف إلى السقوط في ظلمات السجن لمدة ستّ سنوات. سواء ورّط كريم أم لا، فالهدف الأساسي لمطاردته لم يكن قانونا محضا، بلْ تمّ تسخير السلطة القضائية لأجل قضّ ظهره سياسيا. فماكي صال لم يراع التقاليد والأعراف السنغالية في ملفّ كريم. حيث إنّه تجاهل كل تلك السنوات التي عاشها مع كريم واد في ظلّ حقبة الرئيس عبد الله واد الذي مهّد له كل السّبٌل ليصبح رجل الدولة، ومن صنّاع القرار في السنغال
في حلول سنة (2017 ) وعند عزّ خليفة صال السياسي ( رئيس بلدية دكار ) عاد الرئيس صال إلى تفعيل محكمة الكسب غير المشروع، واتهمّ خليفة بالسرقة، فانتهى به المطاف هو الآخر إلى غياهب السجن، لأجل اغتيال حقوقه السياسية، ومنعه من التأثير في الميدان السياسي، كإجراء سياسي تحت عباءة قانونية، لمصادرة حقوقه السياسية، وكان أبرز معارض له.
بعد فوز صال بالانتخابات الرئاسية سنة 2019 بنسبة 57% هدأ قليلا، ولم يقم بمناورات سياسية قاسية ضدّ خصومه. وبعد جذب أبرز معارض له إدريس سيك الذي احتلّ المرتبة الثانية في الانتخابات، إلى ائتلاف النظام الحاكم BBY. بدأ يرسم خريطة طريق للقضاء على الشاب الواعد، عثمان سونكو الذي جاء بصحوة سياسية، وبوجه سياسي جديد، لم تعرف السنغال مثله. حيث إنه جاء بمشروع سياسي نبيل، وبرنامج اقتصادي مقنع، واستخدم الاعلام والمنصات المعاصرة، لفضح الفساد الاداري في الدولة، من الرشوة إلى السرقة وغسيل الأموال. وتبنّى خطابا سياسيا شرسا راديكاليا ضدّ النّظام، واستطاع بذلك الوصول إلى قلوب الكثير من الشباب.
والجدير بالذكر أن حزب باستيف الذي يرأسه عثمان سونكو، من المعارضة الإيجابية المؤطرة دستوريا ومؤسسيا. حيث إنّه ينطلق من مرجعية وطنية، توخيا لتحقيق التنمية الشاملة، وإن كان له الكثير من الاسقاطات والأخطاء في كيفية الأداء السياسي.
ولأولى مرة في الساحة السياسية للسنغال نرى قاعدة جماهيرية طبيعية، لم تصنعه الأموال وشراء الذمم، بل تمّ بناؤها عبر الخطاب السياسي الراديكالي ضدّ النظام ( Le Système) وعرض مشروع نهضوي افريقي نبيل. ولعلّ الدولة العميقة شعرت بتهديد مصالحها وبأوان أفول شمشها ...فقامت بالتعبئة السياسية ونثرت على طاولة اللعبة جميع أوراقها، تهميدا للنزال السياسي ضدّ هذه الصحوة السياسية.
ملفّ أجي صار ...الخطأ الاستراتيجي للسيد سونكو الذي استثمرت فيه الدولة لقصّ أجنحته السياسية.
ظلّت الدولة تراقب حركات سونكو عن بعد، وتنتظر بحفاوة، أوّل خطأ استراتيجي يرتكبه زعيم المعارضة عثمان سونكو لأجل الاسثمار فيه. وعند حلول فبراير 2021 تمّ مخاض ملفّ قضائي ساخن ضدّ زعيم المعارضة سونكو. وذلك بتهمة الاغتصاب والتهديد بالقتل من طرف سيدة تعمل في مركز التدليك.
بين الخطأ الاستراتيجي للسيد سونكو في زيارته لمركز التدليك، دون قراءة المآلات والانعكاسات، وبين نسج سيناريو المؤامرة ضدّه من طرف المخابرات، وقع عثمان سونكو في قبضة الدولة، وواجه كابوسا سياسيا مرعبا، لأولى مرة في حياته السياسية . حيث أن هذه التهمة وضعته تحت رقابة قضائية، كما أنّ الدولة نهجت أسلوب المماطلة في الملفّ لأجل تشويش أنشطته السياسية وضبط إيقاع جولاته في ربوع البلاد.
السماوي…
- Log in to post comments