Tuesday, November 19, 2024

سدنة لعروش الطغاة

الأربعاء, فبراير 7, 2024
، مقال الرأي

بقلم الأخ محمود دافي

يُخبرنا التاريخ أنّ لعروش الطغاة في كلّ عصر ومصر سدنةً وسحرةً يسبّحون بحمدهم ويمجدونهم، ويسعون إلى تنفيذ برامجهم ومخططاتهم الاستبدادية، فهم خير معوان لهم على إلهاء الرعية وتخديرها و تعبيدها لتخاف من صولجان الحكام المستبدين.

وبالنظر إلى حال الشعوب التي أنّت وضجّت بأسوأ صور البؤس والشقاء في ظل الاضطهاد الديني والفكري والاجتماعي والسياسي  والاقتصادي، الذي يسود فيه قانون الغابة والذي يسمح بأكْل الأقوياء أقوات الضعفاء، سنرى أن  أغلبها يرجع إلى المنظومة الفرعونيّة التي طرحها القرآن بين دفّتيه في أكثر من سورة، و سنركز في هذا المقال على تلك القطبيّة الخماسية التي أدارت رحى الاستبداد في زمن فرعون مقارنة بما يحدث في السنغال الآن، وتلكم القطبية الخماسيّة هي:
١-  الحاكم السياسي الذي يمثله فرعون والذي غرّته إمكاناته الذاتيّة  فسعى إلى قتل نبي الله موسى عليه السلام متذّرعا بالخوف على دين الشعب المصري كما حكى القرآن الكريم لنا: ﴿ وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربّه إني أخاف أن يبدّل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد﴾.

٢- كبير الوزراء أو ( الوزير الداخلي) الذي يمثلّه هامان والذي يستميت لتنفيذ الخطط الاستبداديّة وتوفير مستلزماتها ﴿وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي ياهامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطّلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين}.

{وقال فرعون ياهاما ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السموات فأطّلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا، وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل، وما كيد فرعون إلا في تباب}.

٣-الجنود الذين ربطوا مستقبلهم الحياتي والمعيشي بفرعون وخضعوا لطغيانه وتسلطوا على الرعية، فقتلوا الذكور من الأطفال بأمر من فرعون الجبروت وهامان كبير الوزراء .

٤- النخبة الثقافية والقوة المعنوية التي يمثلها سحرة فرعون، فهم الذين يسوّغون له ظلمه ويصيّدون له المبررات والمسوّغات ويحرّضونه على البطش بطريقة أو بأخرى.

٥- الجزء المطواع من الشعب، وهم الذين يستخفّهم فرعون وهم الموصوفون بقوم فاسقين في التعبير القرآني .

 وقد ظهر لي بعد متابعتي الأحداث السياسية الجارية في السنغال في الآونة الأخيرة، وهذا الانقلاب الدستوري الذي أوقع الدولة على شفا حفرة من النار، أنّ القطبية الخماسيّة التي أدارت رحى الاستبداد في زمن فرعون، مثيلاتها هي التي تُدير رحى الاستبداد في السنغال وهم:
- الرئيس المنتهية ولايته دستوريًّا غيرَ أنه لا يريد الرحيل، متذرّعًا بذريعة هشّة مفادها: خشيته أن تقع السلطة في أيدي الإسلاميين كما سمعنا من فِي صحفي فرنسي بعد تحدّثه إلى الرئيس مكي مساء الجمعة الماضية، وهذه الذريعة تذكّرنا ذريعة فرعون رئيس الطغاة حين يقول: ﴿وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربّه إني أخاف أن يبدّل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد﴾.

- الوزير الداخلي والقضائي، وخصوصا السابقين اللذين  يستميتان لتنفيذ خططهم الاستراتيجية الهشّة للاستبداد، وتوفير مستلزماته للقضاء على المعارضين الذين يشكّلون خطرا على مستقبل صنمهم السياسي في السنغال.

- بعض رجال الشرطة والدرك الذين يتسلّطون على الرعية والمعارضين لقمعهم وإطلاق الغاز المسيل للدموع إليهم، واعتقالهم اعتقالا تعسفيّا وزجّهم في السجون.
وهذا الموقف الذي يتّخذه البعض منهم تجاه قضايا الشعب المصيرية، جعل أحد الإخوة يكتب  تعليقا باللغة الولوفية على تصرفاتهم في البرلمان يوم الاثنين الماضي قائلا باللغة الولوفية عبارة مفادها: " أن تكون مثليًّا في السنغال أفضل مِن أن تكون شرطيّا"!

- النخبة الثقافية والقوة المعنوية : وهم أولئك الذين يجلسون بمرأى الناس فيبررون الممارسات الاستبداديّة التي تجري في السنغال، ويدخل في ذلك أولئك النوّاب الذين صوّتوا لهذا الانقلاب الدستوري في السنغال، كما يدخل في ذلك بعض من نسميهم رجال الدين - سمّهم كما شئت- الذين يرفعون مسؤولية الظلم السياسي والاجتماعي ... عن عاتق الظالم، فيضعونه على عاتق الشعب المسكين الذي يجري بحثًا عن لقمة عيشه صباح مساء، فيُنذرونه بالويل والثبور في الدنيا والآخرة، ويشحّنون الرئيس تارة بألفاظ تحرّضه على البطش والتسلّط على الرقاب  كما رأينا ذلك في الحوار الوطني الذي أجراه الرئيس في السنة الماضية في السنغال، وتارة بألفاظ تحرّضه على التحايل على تعاليم الدستور كما سمعنا ذلك من صوتيّة أحدهم بخصوص هذا الانقلاب الدستوري، وتارة بتلكم الفتاوى الفجة التي تبرّر أعماله العنجهيّة، وليس الساسة المرتزقة ببعيد عن هؤلاء.

- أولئك الذين يتبجّحون بهذا الانقلاب الدستوري الذي يوقع الدولة على شفا حفرة من النار، فهم حقيقةً فقراء الضمائر يسيرون في ركاب هذا الصنم السياسي فيبررّون له ظلمه مقابل زاد ضئيل من فُتات موائده.
لكن ليعلموا أنّ لكلّ مملكة فرعونية موسى وقومَه يملكون عقليّة تمقت التبعيّة العمياء والاستبداد بكل أشكاله والتي تجعل مكائد الحكومات الفرعونيّة ومؤامراتهم في تباب.