
الحمد للّه وحده وكفى، والصّلاة والسّلام على رسول الخلق أجمعين محمد وآله وصحبه الغرّ الميامين وسلّم تسليما.
أما بعد؛ فإن المتأمّل في حياتنا الاجتماعيّة يدرك انتشار مشكلات، لا يصلح السكوت عنها والوقوف موقف المتفرج بدون تدخّل فعّال. وبالنّظر إلى أن الكتابة أيضا لها تأثيراتها الإيجابية، نودّ القيام بهذه المبادرة المتواضعة من خلال ذكر هذه المشكلات بالتفصيل؛ لأنّ ذكرها يكتسي أهمية عظيمة لاستئصال جذورها، وتطهير المجتمع منها، ليعيش أفراده مطمئنين مرتاحين من هذه الرّذائل الّتي تأباها العقول السّليمة قبل الشّرع الحكيم. و بالنظر إلى أهمّيّة هذا الموضوع تناولا؛ اقترحنا على أن يكون مكونا من ذكر هذه المشكلات واحدة تلو الأخرى مع الإيجاز البعيد عن الإخلال-بإذن الله- في كل فقرة؛ لتسهيل الفهم، وتعميم الفائدة.
أقول -وبالله التوفيق -سردا لهذه المشكلات التي انتشرت في مجتمعنا الحاضر، واختلطت بدماء أصحاب النفوس المستولى عليها الشهوات والمائلة إلى الشّهوات، المستجابة للرّذائل والدّنائس من الأخلاق والصّفات.
وهذه المشكلات كالآتية:
1- *عدم الثقة بالنفس:*
والثّقة بالنّفس هي الاعتماد على النفس مع الحاجة إلى الغير؛ وهذا يختلف عن العجب بالنّفس؛ إذ العجب بالنفس هو الاعتماد على النفس والاستغناء عن الغير مع الحاجة إليه؛ ولسان حال المعجب بنفسه؛ لا نفير لي؛ ولا مثيل؛ و هذه الصّفة هي عين التّكبّر والتّعالي على النّاس، وهي صفة مذمومة و ممقوتة.
و أما عدم الثّقة بالنّفس فهو: الاعتقاد بأنّك لست شيئا لولا فلان؛ فلا تستطيع إنجاز شيء بدون فلان؛ أو أنّ السّود لا يستطيعون تحقيق شيء بدون معاونة البيض، ولذا ترى معظم السّود أو الأفارقة لا يقدّرون علماءهم حق التقدير؛ لأنهم يظنّون أن البِيضَ فقط هم من يستحقون العلم ويستأهلونه دون السود، وأن المنتجات المستوردة من الغرب ودول آسيا أفضل من الّتي تُنتجها الدّول الإفريقية، فهذه إيديولوجية خاطئة يجب طردها بمنأى عن المجتمع؛ فهو سرطان إذا دخل مجتمع قوم أفسده، وجعل أعزة أهله أذلة، ومستعبدة لدى الآخرين؛ وهذه الصفة هي التي خلّفت آثارا وخيمة للأفارقة؛ حيث جعلوا الغرب آمالهم في مستقبل حياتهم، وأسندوا أمورهم إليهم؛ ولم يثقوا بأنّهم يستطيعون تحقيق أهدافهم بدون الاعتماد على الغربيين البتة؛ وهذه الإيديولوجية الخاطئة لا زالت ترفرف بذيلها في الآفاق الأفريّقية، حتّى جعلت الغرب يعتزّ بنفسه؛ ويرى الفضل له على الأفريقيين، واتّخذ ذلك وسيلةً إلى دسّ كرامة الإفريقيين، واستخفافِ مبادئِهم، وإكساح قيمهم رغم الأنوف؛ وهذه الصّفة لا تنجز خيرا للمجتمع؛ ولذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز" صحيح مسلم من حديث أبي هريرة؛ أي اسع فيما ينفعك، ويحقّق لك أهدافك، ولا تتوان مع الاستعانة بالمولى عز وجل؛ لأنّ العجز يفضي إلى عدم الثّقة بالنّفس.
2- *الرّكود عن العمل:*
و من المعلوم أن العمل ضرورة من ضروريّات الحياة؛ لأنّه به يتحقّق للإنسان حصوله على ما قُدّر له من الرزق؛ فالله عز وجل قد جعل للرّزق وسيلةً تُؤدّي إليه؛ وذلك عن طريق العمل؛ فقال "هو الّذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رّزقه وإليه النّشور"سورة الملك(15).
أي أنّ الله عزّ وجلّ هو الذي جعل لكم الأرض ممهّدة سهلةَ المشي عليها؛ فسيروا في أرجائها و جوانبها طالبين ما كتب لكم من الرزق الحلال، و ابتعدوا عن الكسب الحرام، واعلموا أنّكم إلى الّله تحشرون للمحاسبة، والجزاء.
وفي الآية دلالة واضحة على أن العمل وسيلة لكسب الرّزق، وبدونه قد يخسر المرء شيئا كثيرا من الرّزق، والذي قد يؤدي به إما إلى السرقة، وإما إلى التكفّف؛ ولذا حث الإسلام على العمل تكسبا للرزق الحلال، ولم يحث ذويه على الركود عن العمل كما هو الشائع في مجتمعنا الغامبي؛ حيث إن الكثيرين من الشباب يتركون الأعمال المباحة لهم، التي يمكن لهم تحقيق كرامتهم بها إلى تعاطي المخدرات والاتجار بها، وكثرة الجلوس على الطّرقات بدون فائدة، ومرافقة الفتيات العاريات المتجردات عن ثوب العفّة والحياء، ومعظمهم لا يرضون العمل إلّا في الدول الغربية، ولذا ترى الكثيرين منهم يهلكون أنفسهم بدخول قواربَ لا أمانَ فيها ولا سلامةَ؛ ليسيروا بها ضحايًا لِلغرب الفاجرة.
فالحاصل أن الإسلام دين عبادة، وعمل قال تعالى: "و قل اعملوا فسيرى الّله عملكم ورسوله والمؤمنون... الخ""* التوبة(105). فالإسلام دين عمل، وليس دين عبادة فقط؛ لأنّ بالعمل يحصل المرء شيئين عظيمين؛ سلامته من الذل والحقارة، وحصوله على ما يقتات عليه هو وعياله، ويؤكد هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "والّذي نفسي بيده، لأن يأخذ أحدكم حبله، فيحتطب على ظهره؛ خير له من أن يأتي رجلا، فيسأله، أعطاه أو منعه" رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الّله عنه، وبيّن الإسلام أيضا أفضلية من يعطي على المعطى له ليتبين ذمُّه للسؤال الّذي سببه القُعودُ عن العمل بغير عذر؛ فقال صلّى الّله عليه وسلّم: "اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصّدقة ما كان عن ظهر غنى، ومن يستعف يعفه الّله، ومن يستغن يغنه الّله" متفق عليه من حديث حكيم ابن حزام.
فالحاصل أنّ العمل من ضروريّات الحياة، وأن تركه من غير عذر ذم للمرء؛ وقد يقول القائل؛ إن العمل سبب فقط، وإن الله يرزق من يشاء بغير حساب؛ هذا صحيح بلا شك؛ لكن هل نسي أيضا أنّ الّذي أوحي إليه-عليه الصّلاة والسّلام- "إنّ الّله يرزق من يشاء بغير حساب" هو من حث الناس على العمل؛ فلو لا أنه يعلم أن الله قد جعل لكل شيء سببا لما حثنا على العمل؛ كما جعل اليد والفم سببين في توصيل الغذاء إلى المعدة؛ فكذلك جعل العمل سببا في الحصول على الرزق الطيب؛ فالتسبب ضرورة لا غنى عنها.
والعبد يسعى في طلب الرزق موقنا بأنّ الّله قد كتب له رزقه قبل أن يولد؛ فإن خسر في طلبه استسلم للقضاء والقدر، ولا يتعجل فيتسخط على القضاء والقدر؛ ولذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم : "إنّ روح القدس نفث في روعي، أنّ نفسا لن تموت حتّى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتّقوا الله، وأجملوا في الطلب، ولا يحملنّ أحدكم استبطاءُ الرّزق أن يطلبه بمعصية الّله، فإنّ الّله تعالى لا يُنال ما عنده إلا بطاعته" صحيح الجامع/2085؛من حديث أبي أمامة الباهلي.
3 *- الأنانية:*
وهذه من أقبح و أشنع صفة اتصفت بها الغالبيّةُ السّاحقةُ من مجتمعنا؛ والأناني هو من يحب نفسه حبا مفرطا، ولا يفكر في غيره، وبعبارة أخرى؛ هو من تهمه حاجة نفسه ولا تهمه حاجة غيره؛ وهذه الصفة هي أكبر الوسائل إلى الحسد؛ إذ الأناني يخص النعم لنفسه فقط، والحاسد يتمنى زوالها من غيره لتكون في قبضته فقط؛ فالحسد، والأنانية بينهما عموم وخصوص؛ فكل حاسد أناني، وليس كل أناني حاسدا.
و هذه الصفة أيضا تتنافى مع قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه" رواه البخاري ومسلم من حديث أبي حمزة أنس بن مالك رضي الّله عنه؛ ومن هذه صفته لا ينجح في أمره أبدا؛ لأنه لا ينوي الخير إلا لنفسه، وهذا منتف عقلاً وشرعًا؛ ينطبق عليه دعاء الملك على الممسك يده عن الإنفاق في قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: الّلهمّ أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: الّلهمّ أعط ممسكا تلفا" متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
إنّ الّله عز وجل قد أمر وحث على الإنفاق وبذل المعروف في مواضع كثيرة من كتابه العزيز؛ منها: "وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربّ لولا أخّرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والّله خبير بما تعملون" سورة المنافقين/10-11). وأما الأناني فيقول نفسي نفسي؛ والله المستعان على هذا الخلق الرذيل، والصفة الدنية؛ ووجود هؤلاء الأنانيين في المجتمع يجعل أهله مضطربين في سلوكياتهم، ومعاملاتهم، وتنحط بهم الحال إلى أرذل الأرذلين، وأسفل السّافلين؛ لأنّ الأنانيين في مصالح أنفسهم، وهم بذلك لا يحقّقون شيئا ذا قيمة لمجتمعهم؛ فسيظلون سما قاتلا للمجتمع، وداء مستعصيا للأفراد؛ بل وخسارة على اقتصادهم؛ لا كثّر الَّلهُ أمثالَ هؤلاء في مجتمعنا.
4 *- إساءة الظّنّ بالنّاس:*
وهذه الصّفة أيضا مع قبحها؛ إلّا أنّها منتشرة في المجتمع؛ وإساءة الظّنّ بالنّاس؛ هي أن تسيئ الظّنّ بغيرك في كلامه، أو فعله بدون سبب صريح في ذلك، أو دليل جلي على إساءة الظّنّ به، و هذا منهيٌّ عنه و يأثم فاعله ما لم يقتصر على مجرّد الظّنّ، وأما إن اقتصر على مجرد الظن ولم يحدث به فلا يأثم على حدّ قول بعض أهل العلم؛ والدّليل على النّهي عن إساءة الظن قوله تعالى: "يأيها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيرا من الظّنّ إن بعض الظّنّ إثم، ولا تجسسوا، ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه، واتّقوا الّله إن الّله تواب رحيم" الحجرات/12)، وتؤكد الآية قوله صلّى الّله عليه وسلّم: "إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسّسوا، ولا تجسّسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا." صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
فالحاصل أن إساءة الظَّنّ بالنّاس منهيٌّ عنه، وبناءً على ذلك يجب تطهير القلوب منها، وقلع جذورها من المجتمع؛ كي يعيش النّاس مطمئنّين، وسالمين من هذه الأمراض القلبية الفتاكة؛ و ما أجمل قول بن الخطّاب رضي الّله عنه: "لا تظُنُّ بكلمة خرجت من في مسلم شرا وأنت تجد لها في الخير مِحمَلاً".أخرجه بن أبي الدنيا في كتابه *مداراة الناس* ص/50
فكم من المسلمين اليوم أسيئ الظّنّ بهم لكلام صدر منهم بدون إسناد الظّنّ إلى دليل أو سبب واضح في ذلك؛ بل بمجرد سماعهم للكلام أساءوا الظن بهم، وأذاعوا معايبَهم على الناس مع وجود مِحمَل له في الخير؛ وهذا للأسف الشديد خلق شرس للغاية، و يستقذره كل مؤمن ذي قلب نقي، وسالم من الحسد، والحقد، وأما أصحاب السرائر الخبيثة، والقلوب المريضة؛ فيهرعون إليه كما تهرع الكلاب الجائعة إلى الجيفة.
5- *ذكر معايب النّاس، ومساوئهم، وإخفاء محاسنهم:*
وهذا الخلق أيضا منتشر في المجتمع، و يحمل مسئوليته بعض السفهاء من الناس؛ فكأنهم كلفوا بهذا العمل الخبيث، وكأنهم يتقاضون في مقابله رواتب شهرية؛ فتراهم يتسابقون إلى البحث عن العيوب لينشروها بين الناس على المنصات؛ كمواقع التواصل الاجتماعي، وغيرها من الوسائل الإعلامية "ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلّونهم بغير علم؛ ألا ساء ما يزرون" النحل/25.
فالواجب على هؤلاء المتحلين بهذا الخلق الذميم ستر عيوب المسلمين، وأن لا ينشروها مهما كانت؛ وذلك عملا بالنهي الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: *صعد رسولُ الّله صلّى اللّه عليه وسلَّم المنبر فنادى بصوت رفيع فقال: (يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبّع عورة أخيه المسلم تتبّع الَّله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله)) رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وقوله: "و لو في جوف رحله"* يعني ولو اختبأ واستتر في داخل بيته بعيبه يكشفه الَّله حتّى يفضحه.
والعجب من أمر أولئك أنهم لا ينشرون شيئا عن المحاسن مهما كثرت؛ لكن إن أخطأت مرة واحدة هرعوا إلى إظهاره و نشره بين النّاس؛ لا سيما إذا كان هذا الشخص المخطئ ملتزما، أو كان من طلبة العلم، أو المشايخ الذين يطلقون عليهم اسم الأستاذ؛ و كأنّهم ملائكة لا يخطئون؛ وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المُسْلِمُ أَخُو اَلْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَسْلمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ الَّلهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ الَّلهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ الُّلهُ يَوْمَ القِيَامَةِ".
هذا هو الواجب على أولئك الّذين ينشرون عيوب النّاس، أن يستروا على النّاس عيوبهم، وأن لا يتتبّعوا لها فضلاً عن نشرها؛ إلا ما كان على وجه النصح والتّحذير من شر رجل فاسق.
6- *شدّة الطّمع والجَشَع:*
إن مما لا يخفى على أيّ أحد من المواطنين في أرضنا الحبيبة -غامبيا-؛أن أسعارَ البضائع والسّلع قد تضاعفت بشكلٍ صاروخي؛ والذي فيما نتوهمه أنه بسبب الطّمع والجَشَع لدى التّجّار، ورجال الأعمال؛ تقريبا الآن ترتفع أسعار السّلع في كل أسبوع، أو أسبوعين؛ وهذا أمر يؤثّر على الفقراء في البلد؛ الذين أغلبهم يتقاضون أقل من خمسة آلاف دلس شهريًّا، وبمضاربة هذا المبلغ على ما ينفقونه يوميا؛ سوف تجد هذا المبلغ لا يقضي لهم ثلث حوائجهم، وما الّذي يتوقع منهم بعد نَفادِ ما عنْدهم؛ سوى استقراض الناس ليتمّ الدفع مع انتهاء الشّهر؛ ولا شكّ أن هذا صعب للغاية؛ ولذا وجب على المسؤولين أن يحتاطوا لهذا الأمر قبل خروجه عن السّيطرة. في السّابق كانت هناك مراقبةُ الأسعار؛ لكن الآن ضعفت مراقبة الأسعار، فصارت الأسعار بأيدي التّجّار يتصرّفون فيها كما يشاؤون بدون رادع ولا أدنى رحمةٍ بالفقراء. وهؤلاء التّجّار أكثرهم طماعون لا ينظرون إلّا في مصالح أنفسهم، ولا يهمّهم إلا أرباحهم، وأكثرهم لجشعهم يأملون في أن يصيروا أغنياء بين عشية وضحاها.
7- *حيل أصحاب سيّارات الأجرة في الزّيادة على المواصلات:*
و ذلك بقطعهم وتقسيمهم المحطات إلى عدّة أقسام، وهذا الصنف تجده في السّيارات إلى مدينة بريكاما؛ فبدلا من أن يطالبوك بدفع المواصلة من سيري كوندا إلى بريكاما يطالبونك بدفع المواصلة إلی تبوكوتو، وذلك بعد التّصريح منهم بأنّهم سوف يتوقفون هناك (تابوكوتو) ثم إذا وصلوا بهم يواصلون السّير مع ركاب جدد، أو نفس الركاب، لكن، بشرط أن يدفعوا مواصلة أخرى ليتمّ الوصول بهم إلى حيث ادّعوا أنّهم سوف يتوقفون هناك؛ و هكذا يفعلون إلى حين وصولهم إلى بريكاما، فيكونوا بذلك قد تحقّق لهم مبتغاهم السّيّئ؛ وذلك بالزّيادة فوق قيمة المواصلات المحددة من سيري كوندا إلى بريكاما؛ وهذا التصرف الوحشيّ من أصحاب السّيّارات الأجرة كان قد مضت عليه سنوات بدون أيّة خطة من قبل المسؤولين لإيقافه. والله المستعان، وإليه المشتكى.
8 *- إزهاق الأرواح بغير حق:*
وهذا الفعل القبيح مع كونه من كبائر الذنوب؛ إلّا أنه صار رخيصا، وهينا عند بعض السفهاء من الناس؛ فكم يتكرر سماع خبر قتل شخص لشخص على شيءٍ تافهٍ لا قيمة له، والذي يدل على سخافة عقل القاتل، ولو علموا مدى قبح هذا الفعل لما اجترأوا عليه؛ وقتل النفس محرم شرعا؛ قال تعالى: "من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنّه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل النّاس جميعا ومن أحياها فكأنّما أحيا النّاس جميعا" المائدة/32؛ قال سعيد بن جبير: "من أسفك دم مسلم فكأنما استحلَّ دماء النّاس جميعا، ومن حرم دم مسلم فكأنما حرم دماء الناس جميعا "قال بن كثير: وهو الأظهر(كما في تفسير بن كثير).
وأما الأحاديث في تحريم قتل النفس بغير حق فكثيرة منها قوله صلى اللّه عليه وسلم *"لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما" حديث صحيح من حديث بن عمر رضي الله عنهما؛ أي لا يزال المرء في سعة، واطمئنان، وانشراح صدر من دينه مالم يقتل نفسا بغير حق؛ فلو لا أن قتل النّفس بغير حق مستقبح عند الله تعالى لما ترتب عليه هذا الوعيد الشديد؛ قال تعالى: "ومن يقتل مؤمنا متعمّدا فجزآؤه جهنّم خالدًا فيها وغضب اللّه عليه ولعنه، وأعدّه له عذابا عظيما" النساء/93).
ولذا وجب على الحكومة أن تضع حدا لهذه الجريمة الشّنيعة؛ وما أمر المرأة الغينيّة المقتولة ببعيد؛ التي قتلها رجل في قرية تنجي؛ حيث إنها كانت قد استودعت عند هذا الرجل التاجر مبلغا تبلغ قيمته حوالي مائتي ألف دلس (200.000) فلما سمعت بأن هذا التاجر سوف يسافر قريبا؛ طالبته بمالها؛ فأعطاها الرجل موعدا ليلتقي معها ليدفع إليها مالها، وكان هذا المكان بعيدا عن أنظار المارة من الناس؛ ولما تمكن منها اغتالها بطريقةٍ وحشيّةٍ ظلمًا وعدوانًا.
فهذه الأخلاق، والصّفات التي تحلى بها كثير من أراذل النّاس في مجتمعنا لا يجدي شيئا على المجتمع إلا شرا على شر؛ والأسوأ من ذلك أن هؤلاء المجرمين بعد تلوث أيديهم بالدماء الطاهرة، وبعد فترة قصيرة تراهم بين النّاس يمرحون كمرح الحمَل الرضيع كأن لم يقع منهم شيء كالقتل؛ و هذا مما زاد على عدد المقتولين ظلما وعدوانا، ولا تزال الحال على هذه الوتيرة ما دامت الحكومة لم تقف موقفا جادا لمكافحة انتشار هذا الفعل القبيح وأمثاله.
*الخاتمة*:
*الحلول لهذه المشكلات إجمالا هي:-*
التوبة إلى الله عز وجل من هذه الذنوب، والإصلاح للقلوب الفاسدة التي امتلأت حقدا، وحسدا، وظلمة، وجشعا.
فالواجب على الناس التحلي بالأخلاق الإسلامية، والرجوع إلی تعاليم ديننا الحنيف، والتخلق بأخلاق سلفنا الصالح؛ كي تطيب لهم الحياة، و يسعدوا في دنياهم قبل آخرتهم، قال تعالى "مَنْ عَمِلَ صَالِحَا مِن ذَكَرِ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ َمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"* النحل/97).
والله أسأل أن يصلح القلوب، وأن يطهر المجتمع من الدنائس والرذائل من الأخلاق.هذا ما تيسر بسطه حول الموضوع، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.
بقلم الأستاذ/ *محمد داود ماني*، كاتب غامبي
الناشـر/ *مجلة النهضة في غامبيا*، 10-2-2021م.
- Log in to post comments