Thursday, April 17, 2025

لا حكمة في إنفاق أكثر من 4.2 مليار دلس لمحاكمة يحيى جامي

الاثنين, أبريل 14, 2025

 

 

مقال رأي منشور في صحيفة ستاندرد

ترجمة: باسيديا درامي

أخبار غامبيا بالعربية

تعتزم دولتنا، غامبيا، لإنفاق حوالي ثمانمائة وأربعين مليون دلس سنويًا على مدى فترة متوقعة من خمس سنوات لمحاكمة الديكتاتور السابق يحيى جامي وعدد قليل من المتهمين الآخرين. نحن بحاجة إلى وقفة تأملية جادة، ونقاش وطني جديد ونزيه حول نظام العدالة الانتقالية في بلادنا؛ نقاش لا تقوده العواطف أو الانفعالات، بل يستند إلى السياق التاريخي والواقع الصارخ الذي نعيشه. لا بد من تصحيح التجاوزات التاريخية، ولكن ليس على حساب الحاضر والمستقبل.

كما يعلم كثير من الغامبيين، فقد كنت أنا أيضًا ضحية للوحشية والإرهاب الذين ميزا فترة حكم الرئيس السابق يحيى جامي. فقد تعرضت لمحاولة اغتيال تسببت لي في كسور في العظام، وكسر في الرقبة، ومسيرة علاج طويلة استغرقت أكثر من عامين من العلاج الطبيعي والتأهيل. الألم والمعاناة في تلك الفترة لا يمكن أن تُنسى. وتجربتي الشخصية، مثل كثيرين غيري، شكلت بشكل عميق رؤيتي للعدالة، والشفاء، والمضي قدمًا ببلدنا.

لقد تركت الفظائع التي ارتُكبت في عهد نظام جامي أثرًا لا يُمحى في نفوس الشعب الغامبي. فقد تمزقت العائلات، وفُقدت الأرواح، وانتهكت إنسانيتنا الجماعية. وهذه ليست مجرد إحصائيات، بل هي تجارب حية لإخوتنا وأخواتنا – العديد منهم لا يزال يعاني من آثار تلك الفظائع حتى اليوم. وهي حقيقة لا يمكننا – ولا يجب علينا – تجاهلها.

لكن، بينما أتأمل مستقبلنا، توصلت إلى حقيقة مؤلمة ولكن مشبعة بالأمل: لا يمكننا أن نظل رهينة للماضي. من الضروري جدًا أن نعترف بما حدث من فظائع، ولكن يجب أيضًا أن نسأل أنفسنا: كيف يمكننا التقدم كأمة؟ كيف يمكننا أن نداوي جراحنا، مع ضمان العدالة والكرامة للضحايا؟

 

 

 

إن دعوتي إلى الغفران والمصالحة لا تنبع من رغبة في التقليل من معاناة الضحايا، أو التهوين من فظاعة ما حدث، بل على العكس تمامًا. إنها متجذرة في تعاطف عميق مع أولئك الذين عانوا، بمن فيهم أنا، واعتراف بأن طريقنا نحو عدالة حقيقية لا يجب أن يركز فقط على الانتقام، بل على الشفاء. يجب ألا ننسى ألم الماضي، ولكن يجب أن نركز على بناء مستقبل يقوم على الوحدة والسلام واستعادة الكرامة للضحايا.

ولنكن واضحين: هذا لا يعني إعفاء أحد من المسؤولية. ولا يعني إنكار فداحة ما حصل. الذين ارتكبوا الفظائع يجب أن يُحاسبوا، ولكن علينا أيضًا أن نتساءل: هل المحاكمة المكلفة والطويلة – التي ستستنزف مليارات من الدلس من اقتصادنا الهش – هي أفضل وسيلة لاستخدام مواردنا في الوقت الحالي؟

المحكمة المقترحة لمحاكمة يحيى جامي، بتكلفة تقدر بـ 60 مليون دولار خلال خمس سنوات، ستستنزف أكثر من 4.2 مليار دلس من أموال الدولة وشركائها الدوليين – أموال كان يمكن استخدامها في دعم الضحايا الذين لا يزالون يعانون من آثار نظامه الجسدية والنفسية والمالية، وكذلك أسر الضحايا المتوفين. كثير من هؤلاء الضحايا يعانون من مشاكل صحية، وأسرهم لا تزال تتجرع مرارة المآسي. فهل يجب علينا، كأمة، الاستمرار في ضخ مواردنا في معركة قانونية طويلة ومكلفة، أم يجب أن نركز على تقديم الدعم الفوري والمستدام للضحايا وأسرهم؟

أعتقد أن أولويتنا يجب أن تكون في توفير الدعم الحقيقي للضحايا – ليس بالكلمات فقط، بل بالأفعال. التعويضات، والرعاية الصحية، والتعليم، والفرص الاقتصادية هي الأشكال الحقيقية للعدالة التي ستمكنهم من إعادة بناء حياتهم. والموارد المالية اللازمة للمحكمة يمكن استخدامها بشكل أفضل في هذه المجالات.

وبدلاً من الشروع في محكمة مكلفة، أقترح أن نعزز “الدائرة الخاصة بالمحكمة العليا” القائمة بالفعل، والمكلفة بمتابعة قضايا ما بعد لجنة الحقيقة والمصالحة. من خلال تمكين هذه الدائرة بالموارد والكوادر اللازمة، يمكننا ضمان تحقيق العدالة بشكل فعال وبتكلفة مناسبة. وهذا النهج سيمكننا من التركيز على احتياجات الضحايا الحقيقية، مع محاسبة الجناة بطريقة مستدامة تخدم المصلحة العامة.

بالإضافة إلى ذلك، أرى أنه يجب حظر يحيى جامي من ممارسة السياسة مدى الحياة، ومنعه من أي منصب عام. فقد أُدين بالفعل بضميره. وتصريحاته العامة المرتبكة والمتقلبة تدل على عقل مضطرب يعاني من تبعات جرائمه التي لا تُمحى.

أعتقد أن أشد عقوبة له هي أن يُجبر على العيش بثقل أفعاله، مع علمه بأنه لن يحظى مجددًا بأي سلطة أو امتيازات، بما في ذلك الامتيازات القانونية الممنوحة لرؤساء سابقين. وسيبقى إرثه مرتبطًا بالقسوة والانتهاك، وهذه أكبر عدالة سينالها.

إن دعوتي للمغفرة ليست ضعفًا، بل تعبير عن قوة أمتنا، وقوة أولئك الذين عانوا. هي إقرار بأنه إذا أردنا أن نبني مستقبلًا قائمًا على السلام والازدهار، فعلينا أن نتجاوز انقسامات الماضي ونتوحد كشعب واحد. لا يمكننا أن نُستهلك بالكراهية أو الانتقام؛ يجب أن ننظر إلى الأمام، لا إلى الوراء.

أنا أفهم غضب وإحباط أولئك الذين يرون أن العدالة لا تتحقق إلا من خلال المحاكم. وأتفهم أيضًا أن وجهة نظري هذه قد لا تكون شعبية، وقد يساء فهمها أو استغلالها سياسيًا ضدي. لكن علينا أن ندرك أن العدالة لا تعني فقط العقاب؛ بل تعني أيضًا الشفاء والمصالحة، وتمكين الضحايا، واستعادة كرامتهم، وبناء أمة موحدة في وجه التحديات.

يجب أن يُبنى مستقبل غامبيا على قدرتها على الغفران، والشفاء، والنهوض من آلام الماضي. فلنبنِ وطنًا يعترف بألم الأمس، ولكنه يركز على مستقبل أكثر إشراقًا وعدلاً وإنصافًا لجميع الغامبيين. غامبيا تحتاج إلى حوار سياسي جديد حول هذا الموضوع الحساس.

 

ماي أحمد فاتي

 

رئيس حزب   مؤتمر غامبيا الأخلاقي