بقلم الأخ محمود دافي
في محراب الأنس الرمضاني تنهمر آيات القرآن الكريم غيثا لتغسل الآنسين الصائمين من دَرن مسيرة عام وعمر، و تقطر أنداء جمال وجلال، وتتنزّل بردا وسلاما على حشا العطشان؛ لتُنعش أرواحهم الصريعة ببروق الترتيل، وتُروي قلوبهم الصادية بكوثر مائها الرقراق، وتجلو غشاوة فؤادهم بمشكاة نورها الوهّاج، وتُذهب عن عقولهم غبش الضلالة وسحب الغفلة والجهالة، وتخلّصهم من عقابيل الجاهلية عقيدةً وفكرًا وسلوكًا ومعاملةً، وباختصار فهي تصوغ حياة الصائمين الآنسين في قوالب جديدة بعيدة عن فتن الشياطين ولوثات الأغبياء، ولا غرو في ذلك فرمضان شهر القرآن الكريم الذي قال الله عنه:﴿شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِیۤ أُنزِلَ فِیهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدࣰى لِّلنَّاسِ وَبَیِّنَـٰتࣲ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ﴾ فهو شهر السموّ بالقلوب والأرواح والتذلل والابتهال والاعتراف بالخطأ، والانطراح بين يدي الله في محراب الأنس الرمضاني الذي فيه للقرآن سطوة عجيبة في صناعة الإخبات والخضوع، وفي دكّ صخر القلوب بسلطان آياته العظيمة ﴿وَلِیَعۡلَمَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡعِلۡمَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَیُؤۡمِنُوا۟ بِهِۦ فَتُخۡبِتَ لَهُۥ قُلُوبُهُمۡۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ ﴾.
لم يتعامل سلفنا في محراب أنسهم الرمضاني مع هذا القرآن الكريم ببرود فكري وروحي، بل تعاملوا معه بأنه رسالة سماوية تسيل آياتها نبضا إيمانيا ومعدنا أخلاقيا وقوّة تأثيرية تسري في أوصال الإنسان فتقشعر منها جلوده ﴿ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحۡسَنَ ٱلۡحَدِیثِ كِتَـٰبࣰا مُّتَشَـٰبِهࣰا مَّثَانِیَ تَقۡشَعِرُّ مِنۡهُ جُلُودُ ٱلَّذِینَ یَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ ثُمَّ تَلِینُ جُلُودُهُمۡ وَقُلُوبُهُمۡ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ ذَ ٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ یَهۡدِی بِهِۦ مَن یَشَاۤءُۚ وَمَن یُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٍ﴾ ولذلك جلت آيات هذه الرسالة غشاوة فؤادهم وأروت قلوبهم الصادية بكوثر مائها، فأنبتت فيها زيتونة إيمان مباركة لا شرقية ولا غربية...
إن لكؤوس الآيات القرآنية في محراب الأنس الرمضاني طفحًا يملأ جوانح الصائمين الآنسين الذين تذوّقوا رشفات النور القرآني بصدق، فذقها أيها الآنس بصدق في محراب أنسك الرمضاني لتوشّحك من لطائفها نضرة وجمالا وتسقيك من معينها واردا زلالا.
- Log in to post comments