بقلم/ عبدالقادر أحمد درامي
بعدما أنهيت قراءة كتاب:(تحفة الأصحاب في أخبار الشيخ حطاب) الذي أهداني إياه مؤلف الكتاب؛ الكاتب المجيد والباحث المحترف شيخي وأستاذي سليمان بن تُماني دانجو-يحفظه الله ويرعاه-،الذي تناول فيه سيرة الشيخ حطاب بوجانغ،ومآثره الحافلة بالإنجازات،استوقفت على بعض وقفات واستخلصت منها دروسا وعبر أثناء قراءتي للكتاب،أود أن أسطرها للإخوة من أجل الاستفادة،ولو لم يبلغ الضالع في ذلك شأو الضليع...
تناول المؤلف-جزاه الله عنا خيرا- في كتابه (تحفة الأصحاب في أخبار الشيخ حطاب) سيرة أحد أعلام غامبيا البارزين الشيخ حطاب شريف بوجانغ- عليه رحمات الله تترى- الذي يعد من الشخصيات الإسلامية الغامبية الكبيرة المبدعة الفذة،والذي أحدث نقلة نوعية في الساحة الدعوية والتربوية والإصلاحية في غرب أفريقيا عامة، وفي بلادنا غامبيا خاصة،فخلف وراءه إرثا حافلا بالإنجازات الهائلة،والمشاريع الضخمة التي يشهدها له القاصي والداني،وذلك لنشر الدين الإسلامي الحنيف الخالص من الشوائب والانحرافات،وترسيخ عقيدته ومبادئه الصحيحة في الناس،وتربيتهم وتعليمهم على هذا المنهج الوسطي المعتدل،ودحض الأفكار الخرافية الفاسدة السائدة في محيطه وقتئذ،التي لا تتماشى مع قيمه وتعاليمه،فشاء الله أن قام بوضع استراتيجيات تساعده في إنجاح مشروعه،وشمّر ساعد الجد،وتهيأ لذلك الشأن بتخطيطه الرشيد وحنكته الواسعة وبعد نظره،فبنى مدارس إسلامية في كثير من أنحاء غرب أفريقيا،وفي غامبيا خاصة،فكان همّه أن يصل مشاريعه إلى أقصى بقاع الأرض،من مشرقها إلى مغربها،ومن جنوبها إلى شمالها،فقدّم مساهمة كبيرة،وجهودا مضنية في سبيل الدعوة إلى الله،وتعلم على يديه كثير من أبناء المسلمين،وكوّن نخبة وكوادر أكفاء الذين يحملون الشعلة من بعده،وينيرون الدرب للناس،فكان قد لاقى في طريق ذلك ما لاقى من نكبات الدهر وصروفه،وممن وقفوا في وجهه من ضعاف النفوس وأصحاب المطامع الذاتية ومرضى القلوب،فنصبوا له العداء،وحاولوا كل المحاولة للإيقاع به وصرفه عما يصبو إليه،ومع ذلك اضطلع أعباءه،و وقف صامدًا مكافحا مناضلا،يسعى حثيثا جاهدا ليبلغ مبتغاه،فلم يجد القنوط سبيلا يصل إلى قلبه،ولم يخف في الله لومة لائم،حتى إنه سُجن مرتين،فكان شأنه في ذلك شأن كل رجل ناجح،يتحمل المتاعب الثقال،ويذلّل المصائب العويصة،ويعتبرها محنة له وابتلاء من ربّه عز وجلّ،فهو يتمثل في ذلك قول الشاعر:
لأستسهلنّ الصعب أو أدرك المنى
فما انقادت الآمال إلا لصابر
إن جهود الشيخ حطاب شريف بوجانغ ومآثره ومساهماته الجليلة التي قدّمها في سبيل الدعوة والإصلاح والإرشاد -كما سرد ذلك لنا الكاتب-كثيرة جدا لا يمكن حصرها،فنكتفي ببعض وقفات منها خلال مسيرته العلمية والعملية الحافلة بالإنجازات الكبيرة بإيجاز، وإليك بعضا منها:
#أولا:انخراطه في السلك الدبلوماسي:
عندما رجع الشيخ حطاب شريف بوجانغ من طلب العلم خارج بلده،لم يكتف بالاشتغال في الدعوة والتربية والإرشاد فقط كما جرت عليه العادة عند كثير من دارسي الإسلامية والعربية في غامبيا،بل انخرط في الحكومة ليعمل ككل مواطن،فلم يذعن للقول بأن الدارس الإسلامي لا علاقة له بالعمل في الحكومة،وأن عمله محصور بين زوايا الفصول الدراسية الأربع وفي المساجد والوعظ والمراسيم والجنائز وغير ذلك...وكان عمله في الحكومة مما ساعده كثيرًا في دعوته وإرشاده.
#ثانيا:جهوده وتأثيره في نهضة التعليم الإسلامي في مدارس غامبيا:
لما تم تعيين الشيخ حطاب شريف بوجانغ موظفا رسميا في وزارة التعليم بغامبيا في منصب مشرف عام للتعليم الإسلامي في المدارس الحكومية والمدارس التابعة للكنيسة،قام بجهود إصلاحية نهضوية مشهودة له خلال فترة عمله في الوزارة تحت وزير التعليم الأسبق السيد إم.سي.تشام(MC.Cham)،حيث كان هو السبب في إدراج التعليم الإسلامي في المدارس الحكومية وحتى في مدارس التابعة للكنائس،بما أن طلبة هذه المدارس جلهم أبناء المسلمين،فأرسل المعلمين في جميع هذه المدارس ليعلموا أبناء المسلمين مبادئ دينهم،وهذا جهد كبير ولا يزال هذا النظام سائدا في تلكم المدارس.
#ثالثا:جرأته على قول الحق:
لقد كان الشيخ جريئا لقول الحق،لا يعرف المحاباة،ولا يرضي أحدا في غير مرضاته عزّ وجل،ولا يخاف في قول الحق لومة لائم،فموقفه مع الحكومة السابقة السيد جاورا -رحمه الله- في شأن المواد الغذائية التي أهدتها حكومة المملكة السعودية لغامبيا لتدعم نفسها لتجاوز الأزمة التي أسفرعنها الانقلاب(كُوكُيْ سامبا سانْيَنْغ) اقتصاديا وسياسيا في الدولة خير شاهد على ذلك ،حيث اتُهم الشيخ بخيانة الدولة وتشويه سمعتها في الخارج،وذلك لما ذهب إلى السعودية بعد الانقلاب،وكان يعمل في الحكومة،أجرى مقابلة صحفية فسُئل عن شأن المواد الغذائية،وبما أنه كان إنسانا صريحا لا يعرف اللف والدوران،فأجاب الصحفي بأنه رأى الزيوت تباع في المتاجر،ثم أرسل أحدهم تلك الصحيفة إلى الرئيس جاورا،وطلب الرئيس من يُترجمها له،فقام واحد بترجمته ترجمة رديئة،خلط فيها الحابل بالنابل،وكانت بجانب الصحيفة صورة جوعى السودانيين مما سبب الاشتباه،ونتيجة لذلك الترجمة السيئة تم القبض عليه واعتُقل في سجن مايل تو (Mile2)،وفي الأخير ثبتت براءته،وتم الإفراج عنه،واطلاق سراحه.
#رابعا:ثباته وتجلّده على الأذى:
بما أن الشيخ قد تلقى في سبيل دعوته مصائب عويصة،وبعض العراقيل من مناوئيه وشانئيه الذين يقفون في وجهه لأجل مصالحهم الذاتية كالذين طردوه من المدرسة التي بناها الغنجوريون له وهو في الفصل،ولكن شاء الله أن يهيأ له من يأويه هو وطلابه في دكانه المتواضع "إن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين" وكذلك منعه الوعظ في مسجد غنجور،إلى جانب ذلك اعتقاله في سجن "مايل تو" (Mile 2) مرتين وغير ذلك من الابتلاءات،ولكنه مع ذلك وقف صامدا شامخا كالجبل المنيف.
#خامسا والأخير :حبه الخير لغيره كما يحبه لنفسه:
كما نعلم أن الشيخ قضى حياته في الدعوة إلى الله على بصيرة،والتربية الإسلامية الصحيحة،وكان قد كون طلبة ونخبة وكوادر ليحملوا الشعلة من بعده،فالحمد لله فهم الآن قد أصبحوا منارا للعلم،يشار إليهم بالبنان،وهذا إن دل على شيئ فإنما يدل على صدق إخلاصه في تربيتهم وتعليمهم،ولذلك فهم أيضا لم يخيبوا أمل شيخهم ولم يغدروا به بل أخذوا الأمانة التي تركها عندهم،وواصلوا الدرب حيث وقف الشيخ،فصاروا له خير خلف لخير سلف،وهم أيضا سيورثونها لمن بعدهم جيلا بعد جيل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها إن شاء الله.
- Log in to post comments