الحلقة الثانية .
بات ملفّ "أجي صار سونكو" يحتلّ الإعلام في السنغال. ويتمحور حوله النزال السياسي والصراع الإعلامي بين الدّولة العميقة، التي اتّكأت عليه للبحث عن ذريعة قانونية، مراهنةً على مجرفة الدولة لدفن سونكو سياسيا. وبين حزب باستيف الذي وظّف الإنترنت لأجل كشف سوءات الدولة، وفضح سيناريو المؤامرة ضدّ زعيمه...حلقةً حلقة. واستخدم هذا الملفّ الكثير من القنوات المحلية ووسائل التواصل الاجتماعية وبعض النشطاء السنغاليين، لكسب مصالح شخصية محضة.
ومع تقدّم عقارب الساعة شبرا شبرا نحو الزمن، تيقّنتِ الدولة من أنّ الملف فارغ من تهمة الاغتصاب والتهديد بالقتل. وخرجت عشرات من المنشورات والتقارير والبراهين والصوتيات، تؤكّد للرأي العام تفاصيل المؤامرة، وحبْك الرواية المصطنعة.
ورغم كل هذا ظلّت الدولة متمسّكة بالملفّ، إلى درجة إيصاله إلى الغرفة الجنائية بدون الالتفات إلى حجم المخاطر والمغامرات في ذلك. ليس لأجل اتخاذ هذه القضية وسيلة لإرسال سونكو إلى حبل المشنقة السياسية، كما كانت تنوي في بداية الأمر، وإنما تمسكت به لممارسة غريزتها السياسية. ولأهداف استراتيجية أخرى منها:
أولا : محاولة الخروج من الملفّ بأقل خسارة، لأجل حفظ ماء وجه الدولة وهيبة الجمهورية، بعد التأكد من تورّط بعض المسؤولين من الحكومة في نسج خيوط المؤامرة بشكل فظيع .ثانيا جعل الملفّ (مادّة خامة) يستغلّها النظام، ويوظّفها بديناميكيّة مُحكّمة، لأجل تحقيق أحلامه الاستراتيجيّة. فالتمسّك بخيط هذا الملفّ الفارغ، لم يكن إلاّ لمحاولة البحث عن ذريعة قانونية، للخلاص من الزّعيم سونكو بملفّ آخر، يُولد من رُحم هذه المعضلة القضائية. ثالثا إدانة سونكو إدانة أخلاقية بعد استحالة الإدانة القضائية لأنّ كل الأدلة ( الشهود القرائن- التقرير الطبي) كانت لصالح سونكو. ثم قامت الدولة باستهداف شخصيته مباشرة، للخدش من كرامته وشرفه. وجعل بعض الناس ينقدون في قناعاتهم، وتشتيت الرأي العام حول احتمالية وقوع الفاحشة. فالدّولة تتّسم بالكبرياء والجبروت، ولا تقبل الخلاص من أيّ رهان سياسي تخوضه إلاّ بالكسب، أو بأقلّ خسارة.
وبعد سنتين من الخراب والدّمار على مستوى الوطن، وضياع الأرواح البريئة، وخسارة بعض الناس وظائفهم وممتلكاتهم، وزراعة الكراهية والفوضى والشحناء في أوساط المجتمع المدني، وخربشة الصورة الصافية للديمقراطية السنغالية، رستْ سفينة هذا الملفّ السّاخن ، وانتهى إلى تبرئة سونكو من تهمة الاغتصاب والتهديد بالقتل. غير أنّ الغرفة الجنائية اتّهمت سونكو ب (رشوة الشباب) وأدانته على ذلك. يعني أنّ بسمة الانتصار عند أنصار سونكو لم تكن مكتملة..
ملفّ (Prodac) : احتماليّة وقوع سونكو في فخّ نشر الأخبار المتعلقة بالفساد الإداري للدولة، وانتهازية النظام لزيادة فرص إقصاء سونكو بأريحيّة.
ومنذ أن انفتحت شهيّة النّظام لمضغ أحلام سونكو والمشروع الباستيفي مضغا، لم يبرح في اصطياد الفرص والإمكانيات، لتوريطه في مشاكل قانونية، لهدف إبعاده عن الترشح في الانتخابات الرئاسية 2024. حتى وجد هذه الفرصة في قضية Prodac، واختلق ملفّا قضائيا آخر ضدّ سونكو يتّهمه فيه بالتشهير، وذلك بعدما قام بإدلاء تصريحات خطيرة في إحدى جولاته السياسية، يتّهم فيه الوزير السابق مام امباي انيانغ بسرقة 29 مليار من أموال الدولة، من خلال استغلال برنامج Prodac. شرع الملف يأخذ مسارا سياسيا، وشغل عناوين الإعلام في السنغال. والسؤال الذي يسأل نفسه هل كان سونكو يملك كل التقارير الرسمية في جعبته كما بيّنه أثناء التصريحات التي أدلى بها ضدّ مام امباي انيانغ؟ أم أنّه أراد الاستهلاك المحلي، ولم يحط بالتقارير الإدارية علمًا، مع العلم أنّه صرّح في مكان آخر بأنه وجد التقرير في الإنترنت، ممّا يجعل القارئ يتردد في عدم تأكّده بالخبر عندما كان يدلي بتصريحاته المثيرة في الملفّ.
وبين احتمالية وقوع سونكو في فخّ نشر الأخبار المتعلقة بمافيا الدولة والفساد الاداري؛ ورغبة الحكومة في إقصائه عن الترشح في الانتخابات، وقع اصطدام سياسي من جديد، فقام سونكو بتعبئة الرأي العام للوقوف بجانبه، وقامت الدولة بتسخير القضاء لإدانته بتهمة التشهير.
بعد إدانة سونكو شهرين من السجن مع وقف التنفيذ، وقع بعض قادة حزب باستيف في فخّ النظام، فبدلا من الطعن في القضاء الجائر، والحديث عن أصل المعضلة ( غياب القانون في الدولة) قاموا بتفسيرات وتأويلات قانونية، لتبرير خلوّ السجل الجنائي لسونكو من كلّ ما يمنعه من الترشّح في الانتخابات. وكأنّهم أعطوا لحكم القاضي اعتبارا ومصداقية، ولربّما هذا الخطأ الاستراتيجي ما جعل مام امباي انيانغ يطعن في قرار المحكمة لأجل إدانته إدانة أثقل من الأولى .
جبريل السماوي ....
- Log in to post comments